يقول: "ولذلك" أي: لأنه لا خلاف في ثبوتها ولا في صحة الأحرف السبعة "لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعون من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين" أي: يتعين القراءة بالقراءات السبع؛ لأن هناك أحرفاً سبعة غير هذه التي اختارها الإمام أبو بكر بن مجاهد .
يقول: "بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف؛ بل أكثر العلماء الأئمة الذين أدركوا قراءة حمزة، كـسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وبشر بن الحارث وغيرهم يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم على قراءة حمزة والكسائي ".
ولهذا فإن الإمام أحمد من مذهبه ترجيح قراءة أبي جعفر على قراءة حمزة ولكن لا إلزام في ذلك وإنما هو اجتهاد واختيار كما سبق.
قال رحمه الله: "وللعلماء الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء؛ ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب، ويقرءونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم.
وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة، وجرت له قصة مشهورة، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه".
وابن شنبوذ هذا له قصة مشهورة في تاريخ ابن كثير وابن الأثير، وكان يقرأ بالشواذ؛ فافتتن به العامة، وأحدث ضجة فاجتمع العلماء وكتبوا بذلك محضراً من أكثر العلماء في بغداد على أنه لا يجوز أن يقرأ بهذه القراءات، وعزروه وحبسوه، ومنع من القراءة، لأنه كان يقرأ بالشواذ وليس بالعشر أو الإحدى عشر.
قال: "ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالماً بها أو لم تثبت عنده، كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بـالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه".
مثلاً: بعض أهل الأندلس قد ينكر قراءة من القراءات أو يقول: لا يجوز القراءة بها أو لا يقرأ بها؛ لأنها لم تصله.
قال: "فإن القراءة كما قال زيد بن ثابت سنة يأخذها الآخر عن الأول".
هذه قاعدة القراءة وهي: سنة التلقي، يأخذها الآخر عن الأول، أي: يأخذها التلميذ عن الشيخ، وهذا يعني أن المرجع هو ما ثبت وتواتر سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا صحت القراءة وتواترت فهي من القراءات المعتبرة، وإن صح ولم يتواتر فهو من القراءات الشاذة.
ثم قال: "كما أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة، وصفة صلاة الخوف، وغير ذلك؛ كله حسن يشرع العمل به لمن علمه".
قال: "وأما من علم نوعاً ولم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى مالم يعلمه، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك، ولا أن يخالفه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا}".
أي: لا إنكار ما دام أن الحديث قد صح عنده، وهذا من رحمة الله ومن تخفيفه عن هذه الأمة.